الموجز الرابع: التلاعب بالتقاليد والمعتقدات الدينية
حتى يتسنَّى لكم فهمُ أنشطة الزُّوَّار في العالم اليوم، يجب أن نقدِّم المزيد من المعلومات عن تأثيرهم على المؤسسات والقيم الدينية في العالم وعن الدوافع الروحية العفوية الأساسية الشائعة في طبيعتكم والتي تُعدُّ من نواحٍ كثيرة شائعة للكائنات الذكية في أجزاء كثيرة من المجتمع الأعظم.
يجدرُ بنا أن نبدأ بالقول إن الأنشطة التي يجريها الزُّوَّار في العالم في هذا الوقت قد نُفِّذت مراراً في العديد من الأماكن ومن الثقافات في المجتمع الأعظم. وهذه الأنشطة لم ينشئها زُّوَّاركم من العدم وإنما يستخدمونها حسب تقديرهم وسبق أن استخدموها مرات عديدة من قبل.
من المُهم أن تفهموا أن المهارات في مجالي التأثير والتلاعب قد طُورت لتبلغ درجةً عالية من الكفاءة الوظيفية في المجتمع الأعظم. فالأعراق، مع بلوغها مستويات أعلى من المهارة والقدرة في مجال التكنولوجيا، تبدأ في ممارسة أنواع من التأثير أكثر استتاراً واختراقاً على بعضها البعض. أما البشر فقد اقتصر تطورهم حتى الآن على التنافس فيما بينهم، ولذلك لا تملكون بعد هذه الميزة التكيفية. ويشكِّلُ ذلك في حد ذاته سبباً من أسباب تقديمنا هذه المادة إليكم. أنتم بصدد دخول مجموعة جديدة من الظروف تتطلب صقل قدراتكم الكامنة كما تتطلب تعلُّم مهارات جديدة.
رغم أن الإنسانية تمثل حالةً فريدة، فإن الظهور في المجتمع الأعظم قد حدث مرات لا تحصى من قبل مع أعراق أخرى. وبالتالي، فإن ما يجري ارتكابُه بحقكم قد ارتُكب بحق آخرين من قبل. وقد جرى تطويره بدرجة متقنة ويجري الآن تكييفه مع حياتكم ومع حالتكم بطريقة نشعر أنها سلسة نسبياً.
برنامج التهدئة الذي ينفذه الزُّوَّار حالياً يجعل هذا الأمر ممكنا جزئياً. مع أن الرغبة في إقامة علاقات سلمية وفي تجنُّب الحرب والصراع هي أمرٌ جدير بالثناء، فإنه يمكن، بل يجري بالفعل، استخدامُه ضدكم. فحتى أنبل دوافعكم يمكن أن تُستخدَم لغايات أخرى. لقد رأيتم هذا في تاريخكم، وفي طبيعتكم، وفي مجتمعاتكم. لا يمكن إحلال السلام إلا على أساس متين من الحكمة والتعاون والقدرة الحقيقية.
ما زالت البشرية تهتم بإقامة علاقات سلمية بين قبائلها ودولها، وذلك أمر طبيعي. إلا أن البشرية تواجه حالياً مجموعة أعظم من المشاكل والتحديات. وهي في نظرنا فرصٌ لتطوركم، لأن تحدي الظهور في المجتمع الأعظم هو فقط الذي سيوحِّد العالم ويوفر لكم الأساس الذي يكفل لهذه الوحدة أن تكون أصلية وشديدة وفعالة.
لذلك، فإننا لم نأت لانتقاد مؤسساتكم الدينية أو دوافعكم وقيمكم الجوهرية، وإنما لكي نوضح كيف يجري استخدامها ضدكم من قبل الأعراق الفضائية التي تتدخل في عالمكم. وإذا كان الأمر في حدود قدراتنا، فإننا نود أن نشجع التوظيف الصحيح لمواهبكم وإنجازاتكم من أجل الحفاظ على عالمكم وحريتكم وسلامتكم كعرق في سياق المجتمع الأعظم.
النهج الذي يتبعه الزُّوَّار هو نهجٌ عملي بالأساس. وهذه نقطة قوة ونقطة ضعف في آن واحد. وبحسب مشاهداتنا لهم، هنا وفي أماكن أخرى، نرى أنه يصعب عليهم الخروج عن خططهم. فهُم غير مهيئين بشكلٍ جيد للتغيير، ولا يمكنهم التعامل مع الأمور المعقدة بفعالية كبيرة. لذلك، فإنهم ينفذون خطتهم بطريقة متهورة، لأنهم يشعرون أنهم على حق وأنهم متفوقون. هم لا يعتقدون أن البشرية ستصَعِّد المقاومة ضدهم — على الأقل ليست المقاومة التي ستؤثر عليهم بدرجة عظيمة. وهم يشعرون أن أسرارهم وأجندتهم محفوظة بشكلٍ جيد وأنها خارج نطاق الإدراك البشري.
في ضوء ما تقدم، فإن ما نقوم به من نشاط في تقديم هذه المادة لكم يجعلنا أعداء لهم، بالتأكيد في نظرهم. أما في نظرنا، فكلُّ ما هنالك أننا نحاول مواجهة تأثيرهم وإعطاءكم الفهم الذي تحتاجون إليه والمنظور الذي يجب أن تعتمدوا عليه للحفاظ على حريتكم كعرق وللتعامل مع وقائع المجتمع الأعظم.
ونظراً للطابع العملي لنهجهم، فإنهم يرغبون في تحقيق غاياتهم بأعظم قدر ممكن من الكفاءة. هم يرغبون في توحيد البشرية ولكن فقط وفقاً لمشاركتهم وأنشطتهم في العالم. بالنسبة لهم، تشكل الوحدة الإنسانية شاغلا عملياً. هم لا يقدِّرون قيمة التنوع في الثقافات؛ وهم بالتأكيد لا يقدِّرون قيمته داخل ثقافاتهم هم أنفسهم. لذلك، سيحاولون القضاء عليها أو تقليصها إلى أدنى حد، إذا أمكن، أينما كانوا يمارسون تأثيرهم.
لقد تحدثنا في خطابنا السابق عن تأثير الزُّوَّار على الأشكال الجديدة من الروحانية — على الأفكار الجديدة والتعبيرات الجديدة عن ألوهيّة الإنسان وطبيعة الإنسان السائدة في عالمكم في هذا الوقت. وفي مناقشتنا الآن، نود أن نركز على القيم والمؤسسات المتوارثة التي يسعى زُّوَّاركم إلى التأثير عليها ويؤثرون عليها اليوم.
في إطار المساعي الرامية إلى تعزيز وحدة النسق والتوافق، سيعتمد الزُّوَّار على المؤسسات والقيَم التي يشعرون أنها الأكثر استقراراً وعملية لاستخدامهم. هم لا يكترثون بأفكاركم، ولا بقيمكم، إلا بقدر ما يمكن أن تزيد من توطيد أجندتهم. لا تخدعوا أنفسكم بالتفكير في أنهم منجذبون إلى روحانياتكم لأنهم يفتقرون إلى مثل هذه الأشياء هم أنفسهم. سيكون ذلك خطأً أحمق وربما قاتلاً. لا تظنوا أنهم مفتونون بحياتكم وبالأشياء التي تجدونها جذابة. لأنكم لن تتمكنوا من التأثير عليهم بهذه الطريقة إلا في حالات نادرة. فقد تبدَّد منهم كل الفضول الطبيعي ولم يعد يتبق منه سوى القليل. في الواقع أنه لا يكاد يوجد لديهم ما تطلقون عليه”الروح“ أو الذي نطلق نحن عليه ”ڤارن“ (Varne) أو ”طريقة البصيرة“. هم يخضعون للتحكم وفي الوقت نفسه يحكمون ويتبعون أنماطاً من التفكير والسلوك تم وضعها بحزم وإنفاذها بصرامة. قد يظهرون بمظهر المتعاطف مع أفكاركم، إلا أن غرضهم الوحيد من ذلك هو كسب ولائكم.
في المؤسسات الدينية التقليدية في عالمكم، سيسعون لاستخدام القيم والعقائد الأساسية التي يمكن أن تفيدهم في المستقبل لضمان ولائكم لهم. وإليكم بعض الأمثلة، المستمدة من مشاهداتنا من ناحية ومن البصائر التي قدمها لنا اللامرئيون على مر الزمن من ناحية أخرى.
كثيرون في عالمكم يعتنقون الإيمان المسيحي. ذلك في ظننا أمرٌ يستحق الإعجاب وإن لم يكن بالتأكيد النهج الوحيد للإجابة على الأسئلة الأساسية المتعلقة بالهوية الروحية والهدف من الحياة. هناك فكرة أساسية، هي فكرة الولاء لقائد، سيستخدمها الزُّوَّار من أجل خلق الولاء لقضيتهم. وفي سياق هذه الديانة، سيستخدمون التماهي مع عيسى المسيح بشكلٍ عظيم. فالأمل في عودته إلى العالم والوعد بها يمثلان فرصةً مثالية للزُّوَّار، ولا سيما في هذا المنعطف من الألفية.
إن ما نفهمه هو أن عيسى الحقيقي لن يعود إلى العالم، لأنه يعمل بالتنسيق مع اللامرئيون ويخدم البشرية وأعراق أخرى أيضاً. أما الذي سيأتي ويدعي اسمه فسيكون من المجتمع الأعظم. سيكون شخصاً قد ولد وتمت تربيته لهذا الهدف من قبل الجماعات الموجودة في العالم اليوم. ستكون له هيئةُ إنسان وستكون لديه قدراتٌ ملحوظة مقارنةً بما يمكنكم القيام به في هذه اللحظة. وسيبدو إيثاريا تماماً. وستكون له القدرة على القيام بأعمال إما تبث الخوف في النفوس وإما تنشئ فيها إجلالاً عظيماً. ستكون له القدرة على عرض صور للملائكة أو الشياطين أو أي كائن يرغب رؤساؤه في كشفه لكم. وسيبدو أن لديه قدرات روحية. ومع ذلك، سيكون آتيا من المجتمع الأعظم، وسيكون جزءاً من الجماعة. وسينشئ لدى الناس ولاءً ليتبعوه. أما الذين لن يستطيعوا اتباعه فسيقوم في نهاية المطاف بالتشجيع على إبعادهم أو القضاء عليهم.
الزُّوَّار لا يهتمون بعدد الأشخاص الذين يتم القضاء عليهم من بينكم ما دام لديهم الأغلبية في من يدينون لهم بولاء أساسي.
لذلك، سيركز الزُّوَّار على الأفكار الأساسية التي تخولهم هذه السلطة وهذا التأثير.
يعمل الزُّوَّار إذن على تجهيز مجيء ثان. والدليلُ على ذلك، كما نفهم، موجود بالفعل في العالم. فلأن الناس لا يعلمون شيئا عن وجود الزُّوَّار أو طبيعة الواقع في المجتمع الأعظم، فسيقبلون بطبيعة الحال معتقداتهم السابقة دون أدنى شك، وسيشعرون بأن الوقت قد حان للعودة العظيمة لمخلصهم ومعلمهم. إلا أن الذي سيأتي لن يكون آتيا من الملأ الأعلى، ولن يمثل المعرفة الروحية أو اللامرئيون، ولن يمثل الخالق أو إرادة الخالق. ولقد رأينا هذه الخطة تشكَّل في العالم. ورأينا أيضا خططاً مماثلة نُفِّذت في عوالم أخرى.
في الديانات الأخرى، سيعمل الزائرون على تشجيع وحدة الشكل — ما قد تطلقون عليه شكلا أساسياً من أشكال الدين ترتكز أسسه على الماضي، وعلى الولاء للسلطة، وعلى الامتثال للمؤسسة. فذلك أمرٌ يخدم الزُّوَّار. وهم ليسوا مهتمين بالعقائد والقيم التي تحويها تقاليدكم الدينية، وإنما هم مهتمون بفائدتها. فكلما زادت إمكانية تشابه الناس في تفكيرهم، وفي تصرفاتهم، وإمكانية استجاباتهم بطرق يمكن التنبؤ بها، زادت الفائدة بالنسبة للجماعات. وهذا الامتثال يجري تشجيعه في العديد من الديانات. والقصدُ هنا ليس جعلهم جميعاً متشابهين ولكن تبسيطهم داخل أنفسهم.
في جزء واحد من العالم، ستسود أيديولوجيةٌ دينية بعينها؛ وفي جزء آخر، ستسود أيديولوجيةٌ دينية أخرى. وهذا أمرٌ مفيدٌ بشكلٍ كامل للزُّوَّار، لأنهم لا يهتمون إذا كان هناك أكثر من دين واحد ما دام هناك نظامٌ، وامتثالٌ، وولاءٌ. ونظراً لأنهم لا يعتنقون ديناً خاصاً بهم يمكنكم اتباعه أو الشعور بالتطابق معه، فسيستخدمون دينكم لتوليد القيم الخاصة بهم. ذلك أنهم لا يقدِّرون سوى الولاء الكامل لقضيتهم وللجماعات ويسعون إلى ولائكم الكامل للمشاركة معهم بالطرق التي يصفونها. سوف يؤكدون لكم أن هذا سيخلق السلام والخلاص في العالم وعودة أي صورة أو شخصية دينية تعتبر ذات قيمة عظمى هنا.
هذا لا يعني أن الديانات من حيث جوهرها محكومة بقوى فضائية، لأننا نفهم أن الديانات الجوهرية أرسيت دعائمها بشكلٍ راسخ في عالمكم. ما نقوله هنا هو أن الزُّوَّار سيدعمون الدوافع وراء ذلك وآليات ذلك ويستخدمونها لتحقيق أهدافهم الشخصية. لذلك، يجب على جميع المؤمنين الحقيقيين بتقاليدهم الدينية توخي الحرص الشديد على تمييز هذه التأثيرات والتصدي لها إذا أمكن. وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن الشخص العادي في العالم ليس هو الذي يسعى الزُّوَّار إلى إقناعه؛ بل القيادات.
يعتقد الزُّوَّار اعتقاداً راسخاً أنهم إذا لم يتدخلوا في الوقت المناسب، فإن البشرية ستدمر نفسها والعالم. وهذا لا يستند إلى الحقيقة؛ بل هو مجرد افتراض. ورغم أن الإنسانية معرضة لخطر إفناء نفسها، فإن هذا ليس بالضرورة مصيركم. غير أن الجماعات تعتقد ذلك، ولذا ترى أنه يتعيَّن عليها التصرف بسرعة وإيلاء قدر عظيم من التركيز لبرامج الإقناع الخاصة بها. أما الذين يمكن إقناعهم فسيتقرَّر أنهم مفيدون؛ وأما الذين لا يمكن إقناعهم فسيتم التخلص منهم وإبعادهم. وإذا أصبح الزُّوَّار أقوياء بما يكفي للسيطرة الكاملة على العالم، فسيتم ببساطة القضاء على الأشخاص الذين لا يستطيعون الامتثال. لكن ذلك التدمير لن يكون بيَد الزُّوَّار. بل سينفذ من خلال نفس الأفراد في العالم الذين أذعنوا تماما لإقناعهم.
هذا سيناريو مروع، وذلك أمر مفهوم، ولكن يجب ألا يكون لديكم أي التباس إذا أردتم فهمَ وتلقي ما نعبِّر عنه في رسائلنا لكم. القصدُ ليس إبادة البشرية، بل إن دمج البشرية هو ما يسعى الزُّوَّار إلى إنجازه. ولهذا الهدف، سيتهجنون معكم. ولهذا الهدف، سيحاولون إعادة توجيه دوافعكم ومؤسساتكم الدينية. ولهذا الهدف، سيعملون سراً على تثبيت أقدامهم في العالم. ولهذا الهدف، سيمارسون التأثير على الحكومات وقادة الحكومات. ولهذا الهدف، سيمارسون التأثير على القوى العسكرية. إن الزُّوَّار يثقون في إمكانية نجاحهم، لأنهم حتى الآن يرون أن البشرية لم تُبد بعد مقاومةً كافية لصد تدابيرهم أو إحباط مخططهم.
للتصدي لهذا، يجب عليكم أن تتعلموا طريقة المعرفة الروحية في المجتمع الأعظم. يجب أن يتعلم طريقة المعرفة الروحية أي عرق حر في الكون، مع ذلك يمكن أن تكون مُعَرّفة ضمن الحدود الثقافية لكل حر. هذا هو مصدر الحرية الفردية. هذا هو ما يمكِّن الأفراد والمجتمعات من التمتع بنزاهة حقيقية والحصول على الحكمة الضرورية للتعامل مع التأثيرات التي تعطل المعرفة الروحية، سواء في داخل عوالمهم أو داخل المجتمع الأعظم. لذلك من الضروري أن تتعلموا طرقاً جديدة، لأنكم بصدد دخول وضع جديد مع قوى جديدة وتأثيرات جديدة. في الواقع، هذا ليس احتمالاً من احتمالات المستقبل وإنما هو تحدٍ فوري. الحياة في الكون لا تنتظر استعدادكم. فالأحداث ستقع سواء كنتم مستعدين أم لا. وها هي الزيارات قد حدثت دون موافقتكم ودون إذنكم. وها هي حقوقكم الأساسية يجري انتهاكها بدرجة أعظم بكثير مما تدركونه حتى الآن.
لهذا السبب، أُرسلنا لا لنُبَيِّن لكم منظورَنا ونشجعكم فحسْب ولكن أيضاً لنوجه نداءً، وندُق ناقوس الخطر، ونُلهم الوعي والالتزام. لقد قلنا من قبل إننا لا نستطيع إنقاذ عرقكم بالتدخل العسكري. فهذا ليس دورنا. وحتى لو حاولنا القيام بذلك وحشدنا القوةَ لتنفيذ أجندة من هذا القبيل، فسيحيق الدمار بعالمكم. لا يسعُنا إلا تقديم المشورة.
سترون في المستقبل شراسة العقائد الدينية يعبِّر عنها أصحابُها بطرق عنيفة، تنفذ ضد من يخالفونهم الرأي، وضد أمم أقل قوة، وتستخدم كسلاح للهجوم والتدمير. لن يرغب الزُّوَّار في شيء أفضل من أن تحكُم مؤسساتُكم الدينية الأمم. وهذا أمرٌ يجب عليكم مقاومته. لن يرغب الزُّوَّار في شيء أفضل من أن يتقاسم الجميعُ القيم الدينية، فهذا يعزز القوة العاملة لديهم ويجعل مهمتهم أسهل. ومثل هذا التأثير، بجميع تجلياته، يحد بشكلٍ أساسي من المقاومة ويحيلها استسلاماً وخضوعاً — خضوع الإرادة، خضوع الهدف، خضوع حياة الشخص وقدراته. لكن سيكون هناك من يستبشرون به باعتباره إنجازاً عظيماً للبشرية، وتطوراً عظيماً في المجتمع، وتوحيداً جديداً للعرق البشري، وأملاً جديدا للسلام والسَكينة، وانتصاراً للروح البشرية على الغرائز البشرية.
لذلك، جئناكم لننصحَ لكم ونشجِّعَكم على الامتناع عن اتخاذ قرارات غير حكيمة، وعن تقديم حياتكم ثمناً لأشياء لا تفهمونها، وعن التخلي عن تحفظكم وتمييزكم من أجل أي مكافأةٍ موعودة. وعلينا أن نشجعَكم بعدم خيانة المعرفة الروحية داخل نفوسكم، الذكاء الروحي الذي وُلدتم به والذي يحمل الآن وعدكم الوحيد والأعظم.
ربما ستنظرون إلى الكون لدى سماعكم هذا بوصفه مكاناً خالياً من النعمة. ربما تملَّكتكم السخرية والخوف، وظننتم أن الجشع هو سمة الكون بأكمله. لكن الحقيقة غير ذلك. فالمطلوب الآن هو أن تصبحوا أشداء، أن تكونوا مستقبلاً أشد مما أنتم عليه حاضراً، ومما كنتم عليه سابقاً. لا ترحبوا بالاتصالات مع الذين يتدخلون في عالمكم إلى أن تمتلكوا هذه القوة. لا تفتحوا عقولكم وقلوبكم للزُّوَّار من خارج العالم، لأنهم ما جاءوا إلى هنا إلا لأهداف خاصة بهم. لا تظنوا أنهم سوف يحققون نبوءاتكم الدينية أو مُثلكم العليا، فذلك وهم.
توجد في المجتمع الأعظم قوى روحية عظيمة — هناك أفراد بل وأمم حققوا درجات عالية جداً من الإنجازات، أعلى بكثير مما حققته البشرية حتى الآن. ولكنهم لا يذهبون إلى عوالم أخرى ويسيطرون عليها. هم لا يمثلون قوى سياسية واقتصادية في الكون. ولا هم يشاركون في التجارة إلا بقدر ما يلبي احتياجاتهم الأساسية. ونادرا ما يسافرون، إلا في حالات الطوارئ.
إن المبعوثين يُرسلون لمساعدة من هم بصدد الظهور في المجتمع الأعظم، مبعوثين مثلنا. وهناك مبعوثين روحيين أيضاً — قوة اللامرئيون، الذين يستطيعون التحدث إلى من كان مستعداً للتلقي وأبدى قلباً سليماً ووعداً حميداً. هذه هي الطريقة التي يعمل بها الرب في الكون.
أنتم بصدد دخول بيئة جديدة صعبة. لعالمكم قيمةٌ كبيرةٌ جداً في أعين الآخرين. سيتعيَّن عليكم حمايته. سيتعيَّن عليكم الحفاظ على مواردكم لكيلا تُرغموا أو تَعتمدوا على المقايضة مع أممٍ أخرى لتأمين احتياجاتكم المعيشية الأساسية. إذا لم تحافظوا على مواردكم، ستُضطرون إلى التخلِّي عن الكثير من حريتكم واكتفائكم الذاتي.
روحانيتُكم يجب أن تكون سليمة. يجب أن تُبنى على تجربةٍ حقيقية، فالقِيَم والمعتقدات، والشعائر والموروثات يمكن استخدامها، بل يجري استخدامها، من قبل زُّوَّاركم لتحقيق أهداف لهم.
هنا يمكن أن تبدأوا في رؤية أن زُّوَّاركم لديهم مواطن ضعف كبيرة في مجالات معينة. لنستكشفْ هذا الأمر بتعمق أكثر. على المستوى الفردي، لا يملك الزُّوَّار إرادةً تُذكر ويجدون صعوبةً في التعامل مع الأمور المعقدة. إنهم لا يفهمون طبيعتكم الروحية. وهُم بكل تأكيد لا يفهمون دوافع المعرفة الروحية. وكلما زادت قوتُكم بانتهاج سبيل المعرفة الروحية، زادت الصعوبة التي يواجهونها في تفسير تصرفاتكم وفي السيطرة عليكم، وقلَّت فائدتكم بالنسبة لهم ولبرنامج الإدماج الخاص بهم. على المستوى الفردي، كلما زادت قوتكم بانتهاج سبيل المعرفة الروحية، زاد التحدي الذي صرتم تمثلونه لهم. وكلما زاد عددُ الأفراد الذين يزدادون قوة بانتهاج سبيل المعرفة الروحية، زادت أمام الزُّوَّار صعوبةُ عزلهم.
الزُّوَّار لا يملكون قوة جسدية. وإنما تكمن قوتهم في البيئة العقلية وفي استخدام تكنولوجياتهم. هم أقل منكم عدداً. وهم يعتمدون كلياً على رضوخكم، وهم على ثقة مفرطة بأن بإمكانهم النجاح. وبناءً على تجاربهم حتى الآن، لم تُبد البشرية أي مقاومة ذات شأن. ولكن كلما ازدادت قوتكم بانتهاج سبيل المعرفة الروحية، زادت إمكانية أن تصبحوا قوةً معارضة للتدخل والتلاعب وقوةً مناصرة لحرية عرقكم ونزاهته.
رغم أن عدد الذين سيتمكنون من سماع رسالتنا ربما لن يكون كثيراً، فإن استجابتكم مهمة. ربما يكون من السهل عدم تصديق حضورنا وحقيقتنا وتكون لكم ردة فعل ضد رسالتنا، إلا أننا نتحدث وفقاً للمعرفة الروحية. لذلك، فإن ما نقوله يمكن أن يكون معروفاً داخل نفوسكم، إذا كانت لديكم حريةُ معرفته.
نحن نفهم أن ما نقوله في حديثنا يتعارضُ مع كثير من المعتقدات والأعراف. بل إن ظهورنا هنا سيبدو عصياً على التفسير وسيرفضه الكثيرون. لكن يمكن أن يكون لكلماتنا ورسالتنا صدى في نفوسكم لأننا نتكلم في إطار المعرفة الروحية. قوة الحقيقة هي أعظم قوة في الكون. ذلك أنها تملك القدرة على التحرير. وتملك القدرة على التنوير. وتملك القدرة على منح الشدة والثقة لمن يحتاج إليهما.
يقالُ لنا إن للضمير الإنساني قيمةً عالية في أعينكم وإن كان ربما لا يُتبَع دائماً. هذا هو ما نتحدث عنه عندما نتكلم عن طريقة المعرفة الروحية. إنه أمرٌ لا غنى عنه لكل دوافعكم الروحية الحقيقية. وهو أمرٌ تتضمنه أديانكم بالفعل. وهو ليس عليكم بجديد. ولكن يجب أن يُنظرَ إليه باعتباره قيمةً كبيرة، وبخلاف ذلك لن تنجحَ جهودُنا ولا جهود اللامرئيون لتحضير البشرية للمجتمع الأعظم. لن يستجيب إلا قلةٌ من الناس. وستكون الحقيقةُ عبئاً ثقيلاً عليهم، لأنهم لن يستطيعوا تناقلها بشكلٍ فعال.
لذلك، أتينا لا لننتقد مؤسساتكم أو أعرافكم الدينية، ولكن فقط لنُبَيِّن لكم كيف يمكن أن يتم إستخدامها لإلحاق الضرر بكم. لسنا هنا لاستبدالها أو إنكارها، ولكن لنُبَيِّن كيف أن النزاهة الحقيقية يجب أن تسود هذه المؤسسات والأعراف حتى يتسنى لها خدمتكم بطريقة أصيلة.
في المجتمع الأعظم، تتجسد الروحانية فيما نطلق عليه المعرفة الروحية، المعرفة الروحية بمعنى ذكاء الروح وحركة الروح في داخلك. هذا يمكِّنك لكي تعرف بدلا من أن تؤمن فقط. هذا يزودك بحصانة ضد الإقناع والتلاعب، لأن المعرفة الروحية غير قابلة للتلاعب من قبل أي قدرة أو قوة دنيوية. وفي هذا حياةٌ لأديانكم وأملٌ لمصيركم.
إننا نتمسك بحقيقة هذه الأفكار، لأنها أساسية. إلا أنها منعدمة لدى الجماعات، وإذا ما واجهتم تلك الجماعات، أو حتى حضورها، وكانت لديكم القوة للمحافظة على عقولكم، فسترون ذلك بأنفسكم.
يقال لنا إن كثيرين في العالم يرغبون في الاستسلام والإذعان لقوة أعظم في الحياة. وهذا أمرُ لا يَنفرد به عالم البشرية، إلا أن اتباع نهج كهذا في المجتمع الأعظم يؤدي إلى العبودية. نحن نفهم هو أنه في عالمكم الخاص، قبل مجيء الزُّوَّار بهذه الأعداد، كان اتِّباعُ نهج من هذا القبيل يؤدي في كثير من الأحيان إلى العبودية. لكن في المجتمع الأعظم، أنتم أكثر عرضة للخطر، ويجب أن تكونوا أكثر حكمة، وأكثر حذراً، وأقرب إلى الاكتفاء الذاتي. سيكون للتهور في هذا الأمر تكلفةٌ باهظة وعواقب عظيمة.
إن كان بمقدوركم الاستجابة للمعرفة الروحية وتعلُّم طريقة المعرفة الروحية في المجتمع الأعظم، فسيكون بمقدوركم رؤية هذه الأشياء بأنفسكم. عندئذ ستؤكدون كلماتنا بدلاً من الاكتفاء بتصديقها أو إنكارها. الخالق يجعل هذا الأمر ممكناً، لأن مشيئة الخالق هي أن تستعد البشرية لمستقبلها. ولهذا السبب جئناً. لهذا السبب نراقب الوضع ولدينا الآن فرصة الإبلاغ عما نراه.
إن التقاليد الدينية في العالم تدعمكم بشكلٍ جيد في تعاليمها الجوهرية. وقد أتيحت لنا فرصة التعلُّم عنها من اللامرئيون. إلا أنها تمثل أيضاً نقطة ضعف محتملة. ولو كانت البشرية أكثر يقظة وفهماً لحقائق الحياة في المجتمع الأعظم ولِمعنى الزيارات السابقة لأوانها، لما كانت المخاطر التي تواجهونها اليوم بهذه الضخامة. هناك أملٌ وتوقعٌ أن تجلب هذه الزيارات مكافآت عظيمة وأن تتم احتياجات لكم. إلا أنه لم يتسن لكم إلى الآن التعلم عن واقع المجتمع الأعظم أو القوى النافذة التي تتفاعل مع عالمكم. وافتقاركم إلى الفهم وإيلاؤكم ثقة غير ناضجة في الزُّوَّار أمران لا يعودان عليكم بأي نفع.
وهذا هو السبب الذي يدفع الحكماء في جميع أنحاء المجتمع الأعظم إلى البقاء في الخفاء. وهؤلاء الحكماء لا يسعون إلى التجارة في المجتمع الأعظم. ولا يسعون إلى الانضمام إلى أي نقاباتٍ أو تعاونيات تجارية. ولا يسعون إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع عوالم كثيرة. وتتسم شبكةُ الولاء لديهم بقدر أكثر من الغموض، وبطابع أكثر روحانية. إنهم يفهمون أخطار وصعوبات التعرض لحقائق الحياة في الكون المادي. هم يحافظون على عزلتهم، ويبقون متيقظين عند حدودهم. الأمر الوحيد الذي يسعون إليه هو بسطُ حكمتهم عبر وسائل أقل مادية في طبيعتها.
ربما يمكنكم رؤية ذلك في عالمكم معبراً عنه في الأشخاص الأكثر حكمة، والأكثر موهبة، الذين لا يسعون إلى كسب مزايا شخصية من خلال الطرق التجارية والذين لا يتخذون الغزو والتلاعب سبيلا. وعالمُكم يخبركم الكثير. وتاريخكم يخبركم الكثير، ويوضح، وإن كان على نطاق أصغر، كل ما نقدِّمه لكم هنا.
بالتالي، فإن مقصدنا لا يقتصر على تحذيركم من خطورة موقفكم وإنما تزويدكم، إذا أمكن، بقدر أعظم من التصور والفهم للحياة، وهو ما ستحتاجون إليه. ونحن على ثقة من أنه سيكون هناك ما يكفي من الأشخاص الذين يستطيعون سماع هذه الكلمات والاستجابة لعظَمة المعرفة الروحية. ونأمل أن يكون هناك من يستطيعون التعرف أن الهدف من رسائلنا ليس إثارة الخوف والهلع وإنما حشد المسؤولية والالتزام بالمحافظة على الحرية والخير في عالمكم.
إذا ما أخفقت البشرية في التصدي للتدخل، فيمكننا رسم صورة لما قد يعنيه ذلك. لقد رأينا ذلك يحدث في أماكن أخرى، لأن كل واحد منا كاد أن يحدث له ذلك، في داخل عوالمنا. كوكبُ الأرض، إذا أصبح جزءاً من جماعة، سيستغل من أجل موارده، وسيرغم الناس على العمل كالماشية، وأما المتمردون والهراطقة فسيكون مصيرهم إما الإبعاد وإما التدمير. وسيتم الحفاظ على العالم لما يحويه من زراعات ومصالح تعدينية. ستظل المجتمعات البشرية موجودة، لا لشيء إلا لتكون خاضعة للقوى من خارج العالم. ولو أن العالم استنفد فائدته وتم الاستيلاء على موارده بالكامل، سوف تتركون مجردين من كل شيء. وستكون كل العناصر التي تدعم معيشتكم في العالم قد سلبت منكم؛ وكل العناصر اللازمة لبقائكم على قيد الحياة قد سرقت. ذلك أمر قد حدث من قبل في أماكن كثيرة أخرى.
وفي حالة هذا العالم، قد تختار الجماعاتُ الحفاظ على العالم لاستخدامه بشكلٍ مستمر كموقع استراتيجي وكمستودع بيولوجي. لكن البشرَ سيعانون أشدَّ المعاناة تحت ذلك الحُكم القمعي. سيتم تقليل عدد سكان البشرية. وستوكل عمليةُ إدارة أمور البشرية إلى الهجناء لقيادة العرق البشري ضمن نظام جديد. الحريةُ البشرية كما تعرفونها لن يعودَ لها وجود، وستعانون تحت وطأة الحكم الأجنبي، وهو حكمٌ سيكون قاسياً ومتطلباً.
يوجد جماعات كثيرة في المجتمع الأعظم. بعضها كبير؛ وبعضها صغير. بعضها أكثر أخلاقا في أساليبها؛ وكثير منهم دون ذلك. وبقدر تنافسها فيما بينها على اقتناص الفرص، مثل حكم عالمكم، يمكن أن ترتكب أنشطةٌ خطيرة. ولا بد أن نوضح لكم هذا الأمر لكيلا يكون لديكم شك فيما نقوله. الخيارات أمامكم محدودة جداً، لكنها أساسية جداً.
لذلك، افهموا أنكم جميعاً، من منظور زُّوَّاركم، قبائل يلزم أن تدار شؤونها وتفرض السيطرة عليها لتحقيق مصالح الزُّوَّار. لهذا السبب، سيتم الحفاظ على أديانكم وعلى قدر معين من واقعكم الاجتماعي. لكنكم ستخسرون الكثير. وسيضيع الكثير قبل أن تدركوا ما أُخذ منكم. لذلك، فإن كل ما يسعنا القيام به هو دعوتكم إلى توخي اليقظة وتولي المسؤولية والالتزام بالتعلم — التعلم عن الحياة في المجتمع الأعظم، وتعلم سبل الحفاظ على ثقافتكم وواقعكم داخل بيئة أعظم، وتعلم رؤية من يعمل على خدمتكم وتمييزهم عمن لا يعملون على ذلك. هذا التمييز الأعظم مطلوب بشدة في العالم، حتى في تذليل الصعوبات التي تواجهونها. لكن فيما يتعلق ببقائكم ورفاهكم في المجتمع الأعظم، هو أمر لا غنى عنه على الإطلاق.
لذلك، نشجعكم على التحلي بالإقدام. فلدينا المزيد الذي نود إطْلاعكم عليه.
يجدرُ بنا أن نبدأ بالقول إن الأنشطة التي يجريها الزُّوَّار في العالم في هذا الوقت قد نُفِّذت مراراً في العديد من الأماكن ومن الثقافات في المجتمع الأعظم. وهذه الأنشطة لم ينشئها زُّوَّاركم من العدم وإنما يستخدمونها حسب تقديرهم وسبق أن استخدموها مرات عديدة من قبل.
من المُهم أن تفهموا أن المهارات في مجالي التأثير والتلاعب قد طُورت لتبلغ درجةً عالية من الكفاءة الوظيفية في المجتمع الأعظم. فالأعراق، مع بلوغها مستويات أعلى من المهارة والقدرة في مجال التكنولوجيا، تبدأ في ممارسة أنواع من التأثير أكثر استتاراً واختراقاً على بعضها البعض. أما البشر فقد اقتصر تطورهم حتى الآن على التنافس فيما بينهم، ولذلك لا تملكون بعد هذه الميزة التكيفية. ويشكِّلُ ذلك في حد ذاته سبباً من أسباب تقديمنا هذه المادة إليكم. أنتم بصدد دخول مجموعة جديدة من الظروف تتطلب صقل قدراتكم الكامنة كما تتطلب تعلُّم مهارات جديدة.
رغم أن الإنسانية تمثل حالةً فريدة، فإن الظهور في المجتمع الأعظم قد حدث مرات لا تحصى من قبل مع أعراق أخرى. وبالتالي، فإن ما يجري ارتكابُه بحقكم قد ارتُكب بحق آخرين من قبل. وقد جرى تطويره بدرجة متقنة ويجري الآن تكييفه مع حياتكم ومع حالتكم بطريقة نشعر أنها سلسة نسبياً.
برنامج التهدئة الذي ينفذه الزُّوَّار حالياً يجعل هذا الأمر ممكنا جزئياً. مع أن الرغبة في إقامة علاقات سلمية وفي تجنُّب الحرب والصراع هي أمرٌ جدير بالثناء، فإنه يمكن، بل يجري بالفعل، استخدامُه ضدكم. فحتى أنبل دوافعكم يمكن أن تُستخدَم لغايات أخرى. لقد رأيتم هذا في تاريخكم، وفي طبيعتكم، وفي مجتمعاتكم. لا يمكن إحلال السلام إلا على أساس متين من الحكمة والتعاون والقدرة الحقيقية.
ما زالت البشرية تهتم بإقامة علاقات سلمية بين قبائلها ودولها، وذلك أمر طبيعي. إلا أن البشرية تواجه حالياً مجموعة أعظم من المشاكل والتحديات. وهي في نظرنا فرصٌ لتطوركم، لأن تحدي الظهور في المجتمع الأعظم هو فقط الذي سيوحِّد العالم ويوفر لكم الأساس الذي يكفل لهذه الوحدة أن تكون أصلية وشديدة وفعالة.
لذلك، فإننا لم نأت لانتقاد مؤسساتكم الدينية أو دوافعكم وقيمكم الجوهرية، وإنما لكي نوضح كيف يجري استخدامها ضدكم من قبل الأعراق الفضائية التي تتدخل في عالمكم. وإذا كان الأمر في حدود قدراتنا، فإننا نود أن نشجع التوظيف الصحيح لمواهبكم وإنجازاتكم من أجل الحفاظ على عالمكم وحريتكم وسلامتكم كعرق في سياق المجتمع الأعظم.
النهج الذي يتبعه الزُّوَّار هو نهجٌ عملي بالأساس. وهذه نقطة قوة ونقطة ضعف في آن واحد. وبحسب مشاهداتنا لهم، هنا وفي أماكن أخرى، نرى أنه يصعب عليهم الخروج عن خططهم. فهُم غير مهيئين بشكلٍ جيد للتغيير، ولا يمكنهم التعامل مع الأمور المعقدة بفعالية كبيرة. لذلك، فإنهم ينفذون خطتهم بطريقة متهورة، لأنهم يشعرون أنهم على حق وأنهم متفوقون. هم لا يعتقدون أن البشرية ستصَعِّد المقاومة ضدهم — على الأقل ليست المقاومة التي ستؤثر عليهم بدرجة عظيمة. وهم يشعرون أن أسرارهم وأجندتهم محفوظة بشكلٍ جيد وأنها خارج نطاق الإدراك البشري.
في ضوء ما تقدم، فإن ما نقوم به من نشاط في تقديم هذه المادة لكم يجعلنا أعداء لهم، بالتأكيد في نظرهم. أما في نظرنا، فكلُّ ما هنالك أننا نحاول مواجهة تأثيرهم وإعطاءكم الفهم الذي تحتاجون إليه والمنظور الذي يجب أن تعتمدوا عليه للحفاظ على حريتكم كعرق وللتعامل مع وقائع المجتمع الأعظم.
ونظراً للطابع العملي لنهجهم، فإنهم يرغبون في تحقيق غاياتهم بأعظم قدر ممكن من الكفاءة. هم يرغبون في توحيد البشرية ولكن فقط وفقاً لمشاركتهم وأنشطتهم في العالم. بالنسبة لهم، تشكل الوحدة الإنسانية شاغلا عملياً. هم لا يقدِّرون قيمة التنوع في الثقافات؛ وهم بالتأكيد لا يقدِّرون قيمته داخل ثقافاتهم هم أنفسهم. لذلك، سيحاولون القضاء عليها أو تقليصها إلى أدنى حد، إذا أمكن، أينما كانوا يمارسون تأثيرهم.
لقد تحدثنا في خطابنا السابق عن تأثير الزُّوَّار على الأشكال الجديدة من الروحانية — على الأفكار الجديدة والتعبيرات الجديدة عن ألوهيّة الإنسان وطبيعة الإنسان السائدة في عالمكم في هذا الوقت. وفي مناقشتنا الآن، نود أن نركز على القيم والمؤسسات المتوارثة التي يسعى زُّوَّاركم إلى التأثير عليها ويؤثرون عليها اليوم.
في إطار المساعي الرامية إلى تعزيز وحدة النسق والتوافق، سيعتمد الزُّوَّار على المؤسسات والقيَم التي يشعرون أنها الأكثر استقراراً وعملية لاستخدامهم. هم لا يكترثون بأفكاركم، ولا بقيمكم، إلا بقدر ما يمكن أن تزيد من توطيد أجندتهم. لا تخدعوا أنفسكم بالتفكير في أنهم منجذبون إلى روحانياتكم لأنهم يفتقرون إلى مثل هذه الأشياء هم أنفسهم. سيكون ذلك خطأً أحمق وربما قاتلاً. لا تظنوا أنهم مفتونون بحياتكم وبالأشياء التي تجدونها جذابة. لأنكم لن تتمكنوا من التأثير عليهم بهذه الطريقة إلا في حالات نادرة. فقد تبدَّد منهم كل الفضول الطبيعي ولم يعد يتبق منه سوى القليل. في الواقع أنه لا يكاد يوجد لديهم ما تطلقون عليه”الروح“ أو الذي نطلق نحن عليه ”ڤارن“ (Varne) أو ”طريقة البصيرة“. هم يخضعون للتحكم وفي الوقت نفسه يحكمون ويتبعون أنماطاً من التفكير والسلوك تم وضعها بحزم وإنفاذها بصرامة. قد يظهرون بمظهر المتعاطف مع أفكاركم، إلا أن غرضهم الوحيد من ذلك هو كسب ولائكم.
في المؤسسات الدينية التقليدية في عالمكم، سيسعون لاستخدام القيم والعقائد الأساسية التي يمكن أن تفيدهم في المستقبل لضمان ولائكم لهم. وإليكم بعض الأمثلة، المستمدة من مشاهداتنا من ناحية ومن البصائر التي قدمها لنا اللامرئيون على مر الزمن من ناحية أخرى.
كثيرون في عالمكم يعتنقون الإيمان المسيحي. ذلك في ظننا أمرٌ يستحق الإعجاب وإن لم يكن بالتأكيد النهج الوحيد للإجابة على الأسئلة الأساسية المتعلقة بالهوية الروحية والهدف من الحياة. هناك فكرة أساسية، هي فكرة الولاء لقائد، سيستخدمها الزُّوَّار من أجل خلق الولاء لقضيتهم. وفي سياق هذه الديانة، سيستخدمون التماهي مع عيسى المسيح بشكلٍ عظيم. فالأمل في عودته إلى العالم والوعد بها يمثلان فرصةً مثالية للزُّوَّار، ولا سيما في هذا المنعطف من الألفية.
إن ما نفهمه هو أن عيسى الحقيقي لن يعود إلى العالم، لأنه يعمل بالتنسيق مع اللامرئيون ويخدم البشرية وأعراق أخرى أيضاً. أما الذي سيأتي ويدعي اسمه فسيكون من المجتمع الأعظم. سيكون شخصاً قد ولد وتمت تربيته لهذا الهدف من قبل الجماعات الموجودة في العالم اليوم. ستكون له هيئةُ إنسان وستكون لديه قدراتٌ ملحوظة مقارنةً بما يمكنكم القيام به في هذه اللحظة. وسيبدو إيثاريا تماماً. وستكون له القدرة على القيام بأعمال إما تبث الخوف في النفوس وإما تنشئ فيها إجلالاً عظيماً. ستكون له القدرة على عرض صور للملائكة أو الشياطين أو أي كائن يرغب رؤساؤه في كشفه لكم. وسيبدو أن لديه قدرات روحية. ومع ذلك، سيكون آتيا من المجتمع الأعظم، وسيكون جزءاً من الجماعة. وسينشئ لدى الناس ولاءً ليتبعوه. أما الذين لن يستطيعوا اتباعه فسيقوم في نهاية المطاف بالتشجيع على إبعادهم أو القضاء عليهم.
الزُّوَّار لا يهتمون بعدد الأشخاص الذين يتم القضاء عليهم من بينكم ما دام لديهم الأغلبية في من يدينون لهم بولاء أساسي.
لذلك، سيركز الزُّوَّار على الأفكار الأساسية التي تخولهم هذه السلطة وهذا التأثير.
يعمل الزُّوَّار إذن على تجهيز مجيء ثان. والدليلُ على ذلك، كما نفهم، موجود بالفعل في العالم. فلأن الناس لا يعلمون شيئا عن وجود الزُّوَّار أو طبيعة الواقع في المجتمع الأعظم، فسيقبلون بطبيعة الحال معتقداتهم السابقة دون أدنى شك، وسيشعرون بأن الوقت قد حان للعودة العظيمة لمخلصهم ومعلمهم. إلا أن الذي سيأتي لن يكون آتيا من الملأ الأعلى، ولن يمثل المعرفة الروحية أو اللامرئيون، ولن يمثل الخالق أو إرادة الخالق. ولقد رأينا هذه الخطة تشكَّل في العالم. ورأينا أيضا خططاً مماثلة نُفِّذت في عوالم أخرى.
في الديانات الأخرى، سيعمل الزائرون على تشجيع وحدة الشكل — ما قد تطلقون عليه شكلا أساسياً من أشكال الدين ترتكز أسسه على الماضي، وعلى الولاء للسلطة، وعلى الامتثال للمؤسسة. فذلك أمرٌ يخدم الزُّوَّار. وهم ليسوا مهتمين بالعقائد والقيم التي تحويها تقاليدكم الدينية، وإنما هم مهتمون بفائدتها. فكلما زادت إمكانية تشابه الناس في تفكيرهم، وفي تصرفاتهم، وإمكانية استجاباتهم بطرق يمكن التنبؤ بها، زادت الفائدة بالنسبة للجماعات. وهذا الامتثال يجري تشجيعه في العديد من الديانات. والقصدُ هنا ليس جعلهم جميعاً متشابهين ولكن تبسيطهم داخل أنفسهم.
في جزء واحد من العالم، ستسود أيديولوجيةٌ دينية بعينها؛ وفي جزء آخر، ستسود أيديولوجيةٌ دينية أخرى. وهذا أمرٌ مفيدٌ بشكلٍ كامل للزُّوَّار، لأنهم لا يهتمون إذا كان هناك أكثر من دين واحد ما دام هناك نظامٌ، وامتثالٌ، وولاءٌ. ونظراً لأنهم لا يعتنقون ديناً خاصاً بهم يمكنكم اتباعه أو الشعور بالتطابق معه، فسيستخدمون دينكم لتوليد القيم الخاصة بهم. ذلك أنهم لا يقدِّرون سوى الولاء الكامل لقضيتهم وللجماعات ويسعون إلى ولائكم الكامل للمشاركة معهم بالطرق التي يصفونها. سوف يؤكدون لكم أن هذا سيخلق السلام والخلاص في العالم وعودة أي صورة أو شخصية دينية تعتبر ذات قيمة عظمى هنا.
هذا لا يعني أن الديانات من حيث جوهرها محكومة بقوى فضائية، لأننا نفهم أن الديانات الجوهرية أرسيت دعائمها بشكلٍ راسخ في عالمكم. ما نقوله هنا هو أن الزُّوَّار سيدعمون الدوافع وراء ذلك وآليات ذلك ويستخدمونها لتحقيق أهدافهم الشخصية. لذلك، يجب على جميع المؤمنين الحقيقيين بتقاليدهم الدينية توخي الحرص الشديد على تمييز هذه التأثيرات والتصدي لها إذا أمكن. وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن الشخص العادي في العالم ليس هو الذي يسعى الزُّوَّار إلى إقناعه؛ بل القيادات.
يعتقد الزُّوَّار اعتقاداً راسخاً أنهم إذا لم يتدخلوا في الوقت المناسب، فإن البشرية ستدمر نفسها والعالم. وهذا لا يستند إلى الحقيقة؛ بل هو مجرد افتراض. ورغم أن الإنسانية معرضة لخطر إفناء نفسها، فإن هذا ليس بالضرورة مصيركم. غير أن الجماعات تعتقد ذلك، ولذا ترى أنه يتعيَّن عليها التصرف بسرعة وإيلاء قدر عظيم من التركيز لبرامج الإقناع الخاصة بها. أما الذين يمكن إقناعهم فسيتقرَّر أنهم مفيدون؛ وأما الذين لا يمكن إقناعهم فسيتم التخلص منهم وإبعادهم. وإذا أصبح الزُّوَّار أقوياء بما يكفي للسيطرة الكاملة على العالم، فسيتم ببساطة القضاء على الأشخاص الذين لا يستطيعون الامتثال. لكن ذلك التدمير لن يكون بيَد الزُّوَّار. بل سينفذ من خلال نفس الأفراد في العالم الذين أذعنوا تماما لإقناعهم.
هذا سيناريو مروع، وذلك أمر مفهوم، ولكن يجب ألا يكون لديكم أي التباس إذا أردتم فهمَ وتلقي ما نعبِّر عنه في رسائلنا لكم. القصدُ ليس إبادة البشرية، بل إن دمج البشرية هو ما يسعى الزُّوَّار إلى إنجازه. ولهذا الهدف، سيتهجنون معكم. ولهذا الهدف، سيحاولون إعادة توجيه دوافعكم ومؤسساتكم الدينية. ولهذا الهدف، سيعملون سراً على تثبيت أقدامهم في العالم. ولهذا الهدف، سيمارسون التأثير على الحكومات وقادة الحكومات. ولهذا الهدف، سيمارسون التأثير على القوى العسكرية. إن الزُّوَّار يثقون في إمكانية نجاحهم، لأنهم حتى الآن يرون أن البشرية لم تُبد بعد مقاومةً كافية لصد تدابيرهم أو إحباط مخططهم.
للتصدي لهذا، يجب عليكم أن تتعلموا طريقة المعرفة الروحية في المجتمع الأعظم. يجب أن يتعلم طريقة المعرفة الروحية أي عرق حر في الكون، مع ذلك يمكن أن تكون مُعَرّفة ضمن الحدود الثقافية لكل حر. هذا هو مصدر الحرية الفردية. هذا هو ما يمكِّن الأفراد والمجتمعات من التمتع بنزاهة حقيقية والحصول على الحكمة الضرورية للتعامل مع التأثيرات التي تعطل المعرفة الروحية، سواء في داخل عوالمهم أو داخل المجتمع الأعظم. لذلك من الضروري أن تتعلموا طرقاً جديدة، لأنكم بصدد دخول وضع جديد مع قوى جديدة وتأثيرات جديدة. في الواقع، هذا ليس احتمالاً من احتمالات المستقبل وإنما هو تحدٍ فوري. الحياة في الكون لا تنتظر استعدادكم. فالأحداث ستقع سواء كنتم مستعدين أم لا. وها هي الزيارات قد حدثت دون موافقتكم ودون إذنكم. وها هي حقوقكم الأساسية يجري انتهاكها بدرجة أعظم بكثير مما تدركونه حتى الآن.
لهذا السبب، أُرسلنا لا لنُبَيِّن لكم منظورَنا ونشجعكم فحسْب ولكن أيضاً لنوجه نداءً، وندُق ناقوس الخطر، ونُلهم الوعي والالتزام. لقد قلنا من قبل إننا لا نستطيع إنقاذ عرقكم بالتدخل العسكري. فهذا ليس دورنا. وحتى لو حاولنا القيام بذلك وحشدنا القوةَ لتنفيذ أجندة من هذا القبيل، فسيحيق الدمار بعالمكم. لا يسعُنا إلا تقديم المشورة.
سترون في المستقبل شراسة العقائد الدينية يعبِّر عنها أصحابُها بطرق عنيفة، تنفذ ضد من يخالفونهم الرأي، وضد أمم أقل قوة، وتستخدم كسلاح للهجوم والتدمير. لن يرغب الزُّوَّار في شيء أفضل من أن تحكُم مؤسساتُكم الدينية الأمم. وهذا أمرٌ يجب عليكم مقاومته. لن يرغب الزُّوَّار في شيء أفضل من أن يتقاسم الجميعُ القيم الدينية، فهذا يعزز القوة العاملة لديهم ويجعل مهمتهم أسهل. ومثل هذا التأثير، بجميع تجلياته، يحد بشكلٍ أساسي من المقاومة ويحيلها استسلاماً وخضوعاً — خضوع الإرادة، خضوع الهدف، خضوع حياة الشخص وقدراته. لكن سيكون هناك من يستبشرون به باعتباره إنجازاً عظيماً للبشرية، وتطوراً عظيماً في المجتمع، وتوحيداً جديداً للعرق البشري، وأملاً جديدا للسلام والسَكينة، وانتصاراً للروح البشرية على الغرائز البشرية.
لذلك، جئناكم لننصحَ لكم ونشجِّعَكم على الامتناع عن اتخاذ قرارات غير حكيمة، وعن تقديم حياتكم ثمناً لأشياء لا تفهمونها، وعن التخلي عن تحفظكم وتمييزكم من أجل أي مكافأةٍ موعودة. وعلينا أن نشجعَكم بعدم خيانة المعرفة الروحية داخل نفوسكم، الذكاء الروحي الذي وُلدتم به والذي يحمل الآن وعدكم الوحيد والأعظم.
ربما ستنظرون إلى الكون لدى سماعكم هذا بوصفه مكاناً خالياً من النعمة. ربما تملَّكتكم السخرية والخوف، وظننتم أن الجشع هو سمة الكون بأكمله. لكن الحقيقة غير ذلك. فالمطلوب الآن هو أن تصبحوا أشداء، أن تكونوا مستقبلاً أشد مما أنتم عليه حاضراً، ومما كنتم عليه سابقاً. لا ترحبوا بالاتصالات مع الذين يتدخلون في عالمكم إلى أن تمتلكوا هذه القوة. لا تفتحوا عقولكم وقلوبكم للزُّوَّار من خارج العالم، لأنهم ما جاءوا إلى هنا إلا لأهداف خاصة بهم. لا تظنوا أنهم سوف يحققون نبوءاتكم الدينية أو مُثلكم العليا، فذلك وهم.
توجد في المجتمع الأعظم قوى روحية عظيمة — هناك أفراد بل وأمم حققوا درجات عالية جداً من الإنجازات، أعلى بكثير مما حققته البشرية حتى الآن. ولكنهم لا يذهبون إلى عوالم أخرى ويسيطرون عليها. هم لا يمثلون قوى سياسية واقتصادية في الكون. ولا هم يشاركون في التجارة إلا بقدر ما يلبي احتياجاتهم الأساسية. ونادرا ما يسافرون، إلا في حالات الطوارئ.
إن المبعوثين يُرسلون لمساعدة من هم بصدد الظهور في المجتمع الأعظم، مبعوثين مثلنا. وهناك مبعوثين روحيين أيضاً — قوة اللامرئيون، الذين يستطيعون التحدث إلى من كان مستعداً للتلقي وأبدى قلباً سليماً ووعداً حميداً. هذه هي الطريقة التي يعمل بها الرب في الكون.
أنتم بصدد دخول بيئة جديدة صعبة. لعالمكم قيمةٌ كبيرةٌ جداً في أعين الآخرين. سيتعيَّن عليكم حمايته. سيتعيَّن عليكم الحفاظ على مواردكم لكيلا تُرغموا أو تَعتمدوا على المقايضة مع أممٍ أخرى لتأمين احتياجاتكم المعيشية الأساسية. إذا لم تحافظوا على مواردكم، ستُضطرون إلى التخلِّي عن الكثير من حريتكم واكتفائكم الذاتي.
روحانيتُكم يجب أن تكون سليمة. يجب أن تُبنى على تجربةٍ حقيقية، فالقِيَم والمعتقدات، والشعائر والموروثات يمكن استخدامها، بل يجري استخدامها، من قبل زُّوَّاركم لتحقيق أهداف لهم.
هنا يمكن أن تبدأوا في رؤية أن زُّوَّاركم لديهم مواطن ضعف كبيرة في مجالات معينة. لنستكشفْ هذا الأمر بتعمق أكثر. على المستوى الفردي، لا يملك الزُّوَّار إرادةً تُذكر ويجدون صعوبةً في التعامل مع الأمور المعقدة. إنهم لا يفهمون طبيعتكم الروحية. وهُم بكل تأكيد لا يفهمون دوافع المعرفة الروحية. وكلما زادت قوتُكم بانتهاج سبيل المعرفة الروحية، زادت الصعوبة التي يواجهونها في تفسير تصرفاتكم وفي السيطرة عليكم، وقلَّت فائدتكم بالنسبة لهم ولبرنامج الإدماج الخاص بهم. على المستوى الفردي، كلما زادت قوتكم بانتهاج سبيل المعرفة الروحية، زاد التحدي الذي صرتم تمثلونه لهم. وكلما زاد عددُ الأفراد الذين يزدادون قوة بانتهاج سبيل المعرفة الروحية، زادت أمام الزُّوَّار صعوبةُ عزلهم.
الزُّوَّار لا يملكون قوة جسدية. وإنما تكمن قوتهم في البيئة العقلية وفي استخدام تكنولوجياتهم. هم أقل منكم عدداً. وهم يعتمدون كلياً على رضوخكم، وهم على ثقة مفرطة بأن بإمكانهم النجاح. وبناءً على تجاربهم حتى الآن، لم تُبد البشرية أي مقاومة ذات شأن. ولكن كلما ازدادت قوتكم بانتهاج سبيل المعرفة الروحية، زادت إمكانية أن تصبحوا قوةً معارضة للتدخل والتلاعب وقوةً مناصرة لحرية عرقكم ونزاهته.
رغم أن عدد الذين سيتمكنون من سماع رسالتنا ربما لن يكون كثيراً، فإن استجابتكم مهمة. ربما يكون من السهل عدم تصديق حضورنا وحقيقتنا وتكون لكم ردة فعل ضد رسالتنا، إلا أننا نتحدث وفقاً للمعرفة الروحية. لذلك، فإن ما نقوله يمكن أن يكون معروفاً داخل نفوسكم، إذا كانت لديكم حريةُ معرفته.
نحن نفهم أن ما نقوله في حديثنا يتعارضُ مع كثير من المعتقدات والأعراف. بل إن ظهورنا هنا سيبدو عصياً على التفسير وسيرفضه الكثيرون. لكن يمكن أن يكون لكلماتنا ورسالتنا صدى في نفوسكم لأننا نتكلم في إطار المعرفة الروحية. قوة الحقيقة هي أعظم قوة في الكون. ذلك أنها تملك القدرة على التحرير. وتملك القدرة على التنوير. وتملك القدرة على منح الشدة والثقة لمن يحتاج إليهما.
يقالُ لنا إن للضمير الإنساني قيمةً عالية في أعينكم وإن كان ربما لا يُتبَع دائماً. هذا هو ما نتحدث عنه عندما نتكلم عن طريقة المعرفة الروحية. إنه أمرٌ لا غنى عنه لكل دوافعكم الروحية الحقيقية. وهو أمرٌ تتضمنه أديانكم بالفعل. وهو ليس عليكم بجديد. ولكن يجب أن يُنظرَ إليه باعتباره قيمةً كبيرة، وبخلاف ذلك لن تنجحَ جهودُنا ولا جهود اللامرئيون لتحضير البشرية للمجتمع الأعظم. لن يستجيب إلا قلةٌ من الناس. وستكون الحقيقةُ عبئاً ثقيلاً عليهم، لأنهم لن يستطيعوا تناقلها بشكلٍ فعال.
لذلك، أتينا لا لننتقد مؤسساتكم أو أعرافكم الدينية، ولكن فقط لنُبَيِّن لكم كيف يمكن أن يتم إستخدامها لإلحاق الضرر بكم. لسنا هنا لاستبدالها أو إنكارها، ولكن لنُبَيِّن كيف أن النزاهة الحقيقية يجب أن تسود هذه المؤسسات والأعراف حتى يتسنى لها خدمتكم بطريقة أصيلة.
في المجتمع الأعظم، تتجسد الروحانية فيما نطلق عليه المعرفة الروحية، المعرفة الروحية بمعنى ذكاء الروح وحركة الروح في داخلك. هذا يمكِّنك لكي تعرف بدلا من أن تؤمن فقط. هذا يزودك بحصانة ضد الإقناع والتلاعب، لأن المعرفة الروحية غير قابلة للتلاعب من قبل أي قدرة أو قوة دنيوية. وفي هذا حياةٌ لأديانكم وأملٌ لمصيركم.
إننا نتمسك بحقيقة هذه الأفكار، لأنها أساسية. إلا أنها منعدمة لدى الجماعات، وإذا ما واجهتم تلك الجماعات، أو حتى حضورها، وكانت لديكم القوة للمحافظة على عقولكم، فسترون ذلك بأنفسكم.
يقال لنا إن كثيرين في العالم يرغبون في الاستسلام والإذعان لقوة أعظم في الحياة. وهذا أمرُ لا يَنفرد به عالم البشرية، إلا أن اتباع نهج كهذا في المجتمع الأعظم يؤدي إلى العبودية. نحن نفهم هو أنه في عالمكم الخاص، قبل مجيء الزُّوَّار بهذه الأعداد، كان اتِّباعُ نهج من هذا القبيل يؤدي في كثير من الأحيان إلى العبودية. لكن في المجتمع الأعظم، أنتم أكثر عرضة للخطر، ويجب أن تكونوا أكثر حكمة، وأكثر حذراً، وأقرب إلى الاكتفاء الذاتي. سيكون للتهور في هذا الأمر تكلفةٌ باهظة وعواقب عظيمة.
إن كان بمقدوركم الاستجابة للمعرفة الروحية وتعلُّم طريقة المعرفة الروحية في المجتمع الأعظم، فسيكون بمقدوركم رؤية هذه الأشياء بأنفسكم. عندئذ ستؤكدون كلماتنا بدلاً من الاكتفاء بتصديقها أو إنكارها. الخالق يجعل هذا الأمر ممكناً، لأن مشيئة الخالق هي أن تستعد البشرية لمستقبلها. ولهذا السبب جئناً. لهذا السبب نراقب الوضع ولدينا الآن فرصة الإبلاغ عما نراه.
إن التقاليد الدينية في العالم تدعمكم بشكلٍ جيد في تعاليمها الجوهرية. وقد أتيحت لنا فرصة التعلُّم عنها من اللامرئيون. إلا أنها تمثل أيضاً نقطة ضعف محتملة. ولو كانت البشرية أكثر يقظة وفهماً لحقائق الحياة في المجتمع الأعظم ولِمعنى الزيارات السابقة لأوانها، لما كانت المخاطر التي تواجهونها اليوم بهذه الضخامة. هناك أملٌ وتوقعٌ أن تجلب هذه الزيارات مكافآت عظيمة وأن تتم احتياجات لكم. إلا أنه لم يتسن لكم إلى الآن التعلم عن واقع المجتمع الأعظم أو القوى النافذة التي تتفاعل مع عالمكم. وافتقاركم إلى الفهم وإيلاؤكم ثقة غير ناضجة في الزُّوَّار أمران لا يعودان عليكم بأي نفع.
وهذا هو السبب الذي يدفع الحكماء في جميع أنحاء المجتمع الأعظم إلى البقاء في الخفاء. وهؤلاء الحكماء لا يسعون إلى التجارة في المجتمع الأعظم. ولا يسعون إلى الانضمام إلى أي نقاباتٍ أو تعاونيات تجارية. ولا يسعون إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع عوالم كثيرة. وتتسم شبكةُ الولاء لديهم بقدر أكثر من الغموض، وبطابع أكثر روحانية. إنهم يفهمون أخطار وصعوبات التعرض لحقائق الحياة في الكون المادي. هم يحافظون على عزلتهم، ويبقون متيقظين عند حدودهم. الأمر الوحيد الذي يسعون إليه هو بسطُ حكمتهم عبر وسائل أقل مادية في طبيعتها.
ربما يمكنكم رؤية ذلك في عالمكم معبراً عنه في الأشخاص الأكثر حكمة، والأكثر موهبة، الذين لا يسعون إلى كسب مزايا شخصية من خلال الطرق التجارية والذين لا يتخذون الغزو والتلاعب سبيلا. وعالمُكم يخبركم الكثير. وتاريخكم يخبركم الكثير، ويوضح، وإن كان على نطاق أصغر، كل ما نقدِّمه لكم هنا.
بالتالي، فإن مقصدنا لا يقتصر على تحذيركم من خطورة موقفكم وإنما تزويدكم، إذا أمكن، بقدر أعظم من التصور والفهم للحياة، وهو ما ستحتاجون إليه. ونحن على ثقة من أنه سيكون هناك ما يكفي من الأشخاص الذين يستطيعون سماع هذه الكلمات والاستجابة لعظَمة المعرفة الروحية. ونأمل أن يكون هناك من يستطيعون التعرف أن الهدف من رسائلنا ليس إثارة الخوف والهلع وإنما حشد المسؤولية والالتزام بالمحافظة على الحرية والخير في عالمكم.
إذا ما أخفقت البشرية في التصدي للتدخل، فيمكننا رسم صورة لما قد يعنيه ذلك. لقد رأينا ذلك يحدث في أماكن أخرى، لأن كل واحد منا كاد أن يحدث له ذلك، في داخل عوالمنا. كوكبُ الأرض، إذا أصبح جزءاً من جماعة، سيستغل من أجل موارده، وسيرغم الناس على العمل كالماشية، وأما المتمردون والهراطقة فسيكون مصيرهم إما الإبعاد وإما التدمير. وسيتم الحفاظ على العالم لما يحويه من زراعات ومصالح تعدينية. ستظل المجتمعات البشرية موجودة، لا لشيء إلا لتكون خاضعة للقوى من خارج العالم. ولو أن العالم استنفد فائدته وتم الاستيلاء على موارده بالكامل، سوف تتركون مجردين من كل شيء. وستكون كل العناصر التي تدعم معيشتكم في العالم قد سلبت منكم؛ وكل العناصر اللازمة لبقائكم على قيد الحياة قد سرقت. ذلك أمر قد حدث من قبل في أماكن كثيرة أخرى.
وفي حالة هذا العالم، قد تختار الجماعاتُ الحفاظ على العالم لاستخدامه بشكلٍ مستمر كموقع استراتيجي وكمستودع بيولوجي. لكن البشرَ سيعانون أشدَّ المعاناة تحت ذلك الحُكم القمعي. سيتم تقليل عدد سكان البشرية. وستوكل عمليةُ إدارة أمور البشرية إلى الهجناء لقيادة العرق البشري ضمن نظام جديد. الحريةُ البشرية كما تعرفونها لن يعودَ لها وجود، وستعانون تحت وطأة الحكم الأجنبي، وهو حكمٌ سيكون قاسياً ومتطلباً.
يوجد جماعات كثيرة في المجتمع الأعظم. بعضها كبير؛ وبعضها صغير. بعضها أكثر أخلاقا في أساليبها؛ وكثير منهم دون ذلك. وبقدر تنافسها فيما بينها على اقتناص الفرص، مثل حكم عالمكم، يمكن أن ترتكب أنشطةٌ خطيرة. ولا بد أن نوضح لكم هذا الأمر لكيلا يكون لديكم شك فيما نقوله. الخيارات أمامكم محدودة جداً، لكنها أساسية جداً.
لذلك، افهموا أنكم جميعاً، من منظور زُّوَّاركم، قبائل يلزم أن تدار شؤونها وتفرض السيطرة عليها لتحقيق مصالح الزُّوَّار. لهذا السبب، سيتم الحفاظ على أديانكم وعلى قدر معين من واقعكم الاجتماعي. لكنكم ستخسرون الكثير. وسيضيع الكثير قبل أن تدركوا ما أُخذ منكم. لذلك، فإن كل ما يسعنا القيام به هو دعوتكم إلى توخي اليقظة وتولي المسؤولية والالتزام بالتعلم — التعلم عن الحياة في المجتمع الأعظم، وتعلم سبل الحفاظ على ثقافتكم وواقعكم داخل بيئة أعظم، وتعلم رؤية من يعمل على خدمتكم وتمييزهم عمن لا يعملون على ذلك. هذا التمييز الأعظم مطلوب بشدة في العالم، حتى في تذليل الصعوبات التي تواجهونها. لكن فيما يتعلق ببقائكم ورفاهكم في المجتمع الأعظم، هو أمر لا غنى عنه على الإطلاق.
لذلك، نشجعكم على التحلي بالإقدام. فلدينا المزيد الذي نود إطْلاعكم عليه.